رأي

نظام الملالي في إيران: القطعة الفاسدة في جسد المنطقة

مدني حسب الله

لم يكن النظام المتطرف الحاكم في إيران نظامًا طبيعيًا يمكن الوثوق به أو التعاون معه في القضايا الاستراتيجية، أو تلك التي تشكل تهديدًا مباشرًا للمنطقة والعالم.
تتمتع إيران، من خلال موقعها الجغرافي، بخصائص جيواستراتيجية تؤهلها لأن تكون واحدة من أكثر دول المنطقة تأثيرًا ونفوذًا، لولا وجود نظام عاجز ومنغلق على قمة هرم السلطة. كما تمتلك ثروات طبيعية كان يمكن أن تُحدث فارقًا كبيرًا لو أُحسن توظيفها ضمن رؤية منفتحة لإدارة الاقتصاد السياسي، وهو ما عجز عنه نظام الملالي، الذي استغل تلك الميزات، مضافًا إليها العمق الحضاري للشعب الفارسي، وحوّلها إلى أدوات للهيمنة وبسط النفوذ، ونشر التطرف والإرهاب.
نصت معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية (NPT) لعام 1968 على منع امتلاك أي دولة لهذا النوع من السلاح، باستثناء خمس دول كبرى: الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، فرنسا، روسيا، والصين. وبموجب هذه المعاهدة، تعهدت إيران بعدم تصنيع أو امتلاك أسلحة نووية، مقابل حقها في استخدام التكنولوجيا النووية لأغراض سلمية. ثم، وبموجب اتفاق باريس عام 2004، وافقت إيران على تعليق عمليات تخصيب اليورانيوم، لكنها سرعان ما تراجعت عن التزاماتها.
وكانت خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) الموقعة عام 2015 أبرز تلك الاتفاقيات، إذ نصت على تخصيب بنسبة ضئيلة للغاية، إلا أن النظام الإيراني لم يلتزم كعادته، بل رفع نسبة التخصيب وسعى بخطى واضحة نحو امتلاك سلاح نووي.
في التاريخ الحديث، شهدنا اجتياح الولايات المتحدة للعراق للأسباب ذاتها التي تواجهها إيران اليوم. ورغم تدخل العراق في الكويت، والاضطهاد الذي مارسه نظام صدام حسين بحق الأكراد، إلا أنه لم يكن بالغلو والتطرف ذاتهما اللذين يتسم بهما النظام الإيراني، الذي ألحق دمارًا واسعًا بالمنطقة، جراء تدخلاته السافرة، المباشرة وغير المباشرة، في شؤون الدول، وتهديده لأمنها القومي.
منذ ما يُعرف بالثورة الإسلامية في إيران عام 1979، بعد الإطاحة بنظام الشاه الذي كان حليفًا موثوقًا للولايات المتحدة، وتولي الخميني الحكم، تغيّر المشهد الجيوسياسي في المنطقة. تراجع مفهوم الدولة أمام الطائفة والمذهب، حيث أسس الخميني نظامًا سياسيًا دينيًا متطرفًا، قائمًا على التبعية العقائدية، وجعل من الثورة والأيديولوجيا الدينية أدوات استراتيجية لتوسيع النفوذ وفرض الهيمنة الإقليمية.
وعلى خلاف التطرف السياسي لنظام حزب البعث في العراق، اتبع نظام طهران نهجًا تخريبيًا أكثر عمقًا، تدخل في شؤون الدول، وعبث باستقرارها ومقدّراتها السياسية.
تنوعت تدخلات النظام الإيراني بين:
•التدخل العسكري المباشر عبر “فيلق القدس” التابع للحرس الثوري، وهو الذراع العقائدي المسلح للنظام، من خلال إنشاء ودعم ميليشيات مسلحة وحركات غير نظامية؛
•والدعم اللوجستي غير المباشر، عبر مساندة أنظمة إسلامية استبدادية، كـنظام الإنقاذ في السودان ونظام الأسد في سوريا،
•إضافة إلى تمويل وتسليح تنظيمات مثل: حزب الله في لبنان، الإخوان المسلمين في السودان، الحوثيين في اليمن، وجماعات في العراق وسوريا.
كان الدعم الإيراني لنظام الأسد منذ 2011 عاملاً حاسمًا في بقائه، إذ دفعت طهران بآلاف المقاتلين والميليشيات الموالية مثل حزب الله، وكتائب “الزينبيون” و”الفاطميون”.
كما أصبحت إيران بعد سقوط صدام حسين عام 2003، قوة مهيمنة في العراق، عبر دعم الميليشيات الشيعية التي كان لها تأثير بارز في المشهد السياسي والأمني.
ثم انتقل هذا النفوذ إلى اليمن، من خلال تسليح الحوثيين وتقديم الخبراء العسكريين، مما أسهم في تعقيد الصراع هناك، واستمرار الحرب ضد التحالف العربي والحكومة المعترف بها حينها.
وفي لبنان، رعت إيران حزب الله سياسيًا وعسكريًا، ما قيّد استقلالية الدولة اللبنانية، وعزّز من تدخل الحزب في الشأن السوري، فزاد من تعقيد الوضع الداخلي.
أما في السودان، فقد لعبت طهران دورًا محوريًا في تمكين نظام 30 يونيو 1989 الإسلامي، الذي استخدمته لتمرير أجندتها الإقليمية، وإخفاء صناعتها العسكرية عبر “منظومة الصناعات الدفاعية” التابعة للجيش، والتي ظلت على علاقة وثيقة بطهران حتى وقت قريب، طمعًا في توسيع النفوذ الإيراني حول ساحل البحر الأحمر الاستراتيجي.
في جميع هذه الحالات، كانت النتيجة واحدة: الدمار الشامل لتلك البلدان، والعبث بمستقبل شعوبها، وتحويلها إلى بيئات غير صالحة للحياة.
لذلك، فإن اقتلاع النظام الإيراني من جذوره، أصبح ضرورة ملحة لاستقرار المنطقة.
ولا أعتقد أن هذا النظام قادر على الصمود طويلًا، في وجه التحالف الأمريكي–الإسرائيلي، والعزلة الإقليمية، والانهيار التدريجي للثقة، حتى مع نظام الدوحة الذي يعد حليفًا عقائديًا تقليديًا له.
لم يتبقَ أمام طهران سوى خيار وحيد: الانحناء للعاصفة، عبر الموافقة على تسوية تحفظ ما تبقى من ماء وجهها، وتتجنب بها إسقاط النظام بالقوة.
لكن، مع تصاعد التوقعات باندلاع احتجاجات شعبية كبرى، نتيجة الأوضاع الاقتصادية المتردية بعد حرب الأيام الـ12، والعقوبات والعزلة الدولية، فضلًا عن التصدعات الداخلية في بنية النظام، والصراع بين المحافظين والإصلاحيين، والحرس الثوري من جهة، والحكومة ورجال الدين من جهة أخرى، وصولًا إلى معركة خلافة المرشد الأعلى خامنئي — كل ذلك يمهد لتغيرات جذرية في بنية النظام، قد تجعل إسقاطه مسألة وقت، لا أكثر، وبكلفة أقل مما يتوقعه كثيرون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!