رأي

تحركات التحالف المدني الديمقراطي (صمود): ضوء في نهاية النفق أم سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء؟

صالح السليمي

في خضم المشهد السوداني المتشظي، يتقدم التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة “صمود” بمبادرة جديدة عبر مخاطبته للاجتماع الرابع للمجموعة الاستشارية المعنية بتنسيق مبادرات السلام في السودان، المقرر عقده في بروكسل. وهو تحرك قد يبدو في ظاهره بارقة أمل وسط ركام الحرب، لكنه في واقعه السياسي المعقد يثير جملة من التساؤلات الجوهرية حول الجدية والفعالية والوزن السياسي الحقيقي لهذا التحالف، وحول مدى قدرته على تمثيل قوى الثورة وتجاوز المأزق التاريخي الذي تعيشه البلاد.
أولاً: سياق الخطاب ومضامينه
جاء خطاب “صمود” في توقيت بالغ الحساسية، وسط تفاقم الكارثة الإنسانية وغياب أي أفق لحل سياسي شامل. وقد تضمن الخطاب بحسب ما ورد في التصريح الصحفي مقترحات عملية لمعالجة الأزمة الإنسانية، وتصوراً لعملية سلمية ذات مصداقية. هذا الإطار المبدئي ينسجم مع تطلعات السودانيين الذين أنهكتهم الحرب، لكنه لا يوضح بشكل كافٍ طبيعة هذه المقترحات، ولا مدى واقعيتها أو قابليتها للتطبيق ضمن توازنات القوى الراهنة.
إن عدم الكشف عن تفاصيل واضحة حول هذه التصورات قد يعزز الشكوك بشأن قدرة “صمود” على تقديم بدائل سياسية عملية، كما أنه يطرح علامات استفهام حول ما إذا كان الخطاب محاولة لكسب نقاط دبلوماسية فقط، دون رصيد حقيقي على الأرض أو خارطة تحالفات داخلية متماسكة.
ثانيًا: الموقع السياسي لـ”صمود” في الخارطة الوطنية
التحالف المدني الديمقراطي “صمود” نشأ في مرحلة ما بعد انقسام قوى الحرية والتغيير، وهو يحاول أن يتموضع كصوت بديل يعبر عن قوى الثورة المدنية التي ترفض الحرب، وتبحث عن مسار سياسي مدني ديمقراطي. لكن هذا التموضع يواجه تحديات بنيوية:
•أزمة التمثيل الشعبي: لا يزال من غير الواضح مدى القاعدة الجماهيرية التي يستند عليها “صمود”، وهل هو تعبير عن قوى ثورية حقيقية في الداخل، أم تحالف نخبوي خارجي فقد الاتصال بالشارع السوداني الغارق في أتون النزوح والبؤس.
•غياب الرؤية الموحدة بين مكوناته: تكوين “صمود” من مجموعات متباينة أيديولوجياً وتنظيمياً قد يجعله عرضة للتفكك أو التنازع الداخلي، وهو ما أضعف كيانات مشابهة في السابق.
•التأخر في المبادرة: رغم أن الحرب دخلت عامها الثالث، فإن “صمود” لم يظهر كمبادر فاعل في بداية الأزمة، بل جاء تحركه بعد أن خفتت الأصوات الأخرى، مما يطرح تساؤلات حول جاهزيته الاستراتيجية.
ثالثًا: ميزان القوى الدولي والإقليمي وتحديات النفاذ
الاجتماع في بروكسل ليس معزولاً عن الواقع السياسي الدولي، بل هو ساحة تجاذب مصالح بين قوى غربية وأخرى إقليمية، حيث تتباين الأولويات بين الإغاثة الإنسانية، والاستقرار الأمني، والحفاظ على المصالح الاقتصادية والجيوسياسية. في هذا السياق، فإن تأثير “صمود” سيظل محدودًا ما لم:
•يقدم تصورات مفصلة قابلة للتنفيذ.
•ينجح في بناء تحالفات دولية قوية من داخل هذا الاجتماع.
•يظهر قدرة على التأثير على الأطراف المتصارعة داخلياً، لا سيما في ظل استبعاد محتمل من العسكريين وقوى الأمر الواقع.
رابعًا: صمود بين الضوء والسراب
إذا كان هدف “صمود” هو تقديم بديل مدني يعيد الثورة إلى مسارها، فإنه بلا شك يشكل بصيص أمل. لكن هذا الأمل قد يتحول إلى سراب إذا لم يُترجم إلى أفعال ملموسة واصطفاف جماهيري وسياسي واسع. ولعل الخطر الأكبر أن يتحول الخطاب إلى مجرد أداء رمزي في مسرح السياسة الدولية، دون امتداد حقيقي في الداخل السوداني.
كما أن العبرة ليست في توجيه الخطابات أو المشاركة في الاجتماعات، بل في امتلاك مشروع سياسي ناضج قادر على تجميع الشتات الوطني، وتقديم حلول تتجاوز الحلقات المفرغة من الحرب والاتفاقات الهشة.
ختاما: يبقى السؤال معلقًا: هل نحن أمام نقطة تحول فعلية في مسار السلام المدني يقودها تحالف “صمود”، أم أمام محاولة استهلاكية جديدة لا تختلف كثيراً عن مبادرات سابقة انتهت إلى اللا شيء؟
الإجابة لن تُحسم في بروكسل وحدها، بل في الداخل السوداني، حيث لا تزال الساحة مفتوحة لمن يملك الرؤية والجرأة والاتصال الحقيقي بالشارع. وحتى يثبت “صمود” أنه ضوء في نهاية النفق، عليه أن يصمد أولاً أمام اختبارات الواقع، لا أمام عدسات الكاميرا والمؤتمرات الدولية فقط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!