
عرف أهل السودان منذ قديم الأزل بطيب المعشر، والحكمة، والتروي، والصبر. وهذه صفات ليست طارئة على مجتمعنا، بل هي من مكونات وجداننا الجماعي، وقد تجلت في أبهى صورها في قدرتنا على الصبر على الشدائد والمحن. ها نحن نصبر على الحرب وهي في طريقها إلى السنة الثالثة، رغم ما خلفته من مآسي وأحزان عامة وخاصة. لكن هذا الصبر يجب ألا يكون قبولًا بالخراب، بل ينبغي أن يتحول إلى صبرٍ على اختلافاتنا من أجل العيش المشترك، والبحث عن الحلول، وتجاوز الانقسام.
علينا أن ندرك أن الحياة قصيرة، وأن الأمان ليس ترفاً بل ضرورة، وأن الطريق إلى وقف هذه المآسي لا يمر عبر الاستمرار في الحرب، بل في وضع حدّ لها. لا فائدة من البكاء على اللبن المسكوب، فالأجدى هو الحفاظ على الضرع الذي قد يعيد إنتاج اللبن مرات ومرات، أي الحفاظ على السودان نفسه، أرضًا وشعبًا وإرثًا ومصيرًا.
إن مصلحة السودان تقتضي مصالحة وطنية شاملة ومخلصة، وهذا ليس أمرًا مستحيلًا. بل هو ممكن ومتاح إن صدقت النوايا وتقدّمت الحكمة على الأهواء. آن الأوان أن نلتفت لما يوحّدنا، لا لما يفرقنا، وأن نستدعي من ذاكرتنا الجمعية أجمل ما فيها من حكايات وأدب وثقافة.
تعالوا نحتفي بإرثنا الثقافي والأدبي، نعيد قراءة الطيب صالح، وندشن للزين زيجة ثانية، ونتسامر مع أمين محمد زين عند الغروب، ونغني مع حامد بدوي على شواطئ جويكرة، ونطلب من إبراهيم الأسمر أن يروي لنا حكاية هجرته الظافرة إلى أطراف السودان وهو يردد: “كل أجزائه لنا وطن فلنباهِ به ونفتخر”.
نعم، نهاية الحرب ممكنة، والعيش في وطن جميل ليس حلمًا بعيد المنال. السودان يستحق السلام… لأنه وطن جميل، ولأن شعبه جدير بالحياة.