رأي

“لا هدنة في الفاشر: تصريحات الاستهلاك السياسي في وجه المجازر والجرائم الكيميائية”

عمار سعيد

في الوقت الذي تئن فيه مدن وقرى في دارفور وكردفان ومستشفياتها تحت وابل القصف الجوي والانتهاكات الممنهجة، خرج قائد جيش الانقلابيين بتصريح يعلن فيه “الموافقة على هدنة إنسانية” تسمح بدخول المساعدات للمدينة المحاصرة. تصريح لا يحمل أي وزن واقعي ولا يستند إلى سلطة حقيقية على الأرض، بل يندرج ضمن مسلسل طويل من الأكاذيب السياسية ومحاولات تضليل الرأي العام المحلي والدولي.

فالجهة التي تدعي حرصها على إدخال الغذاء والدواء، هي ذاتها التي قصفت قبل أقل من شهر قافلة مساعدات إنسانية كانت قادمة من مدينة الدبة، بعد أن احتجزتها السلطات هناك لأكثر من أربعين يوماً، ثم دمرت بالكامل عند مشارف الفاشر بطيران الجيش نفسه. فكيف لمن يقتل شعبه بالقنابل المحرمة دوليًا، أن يحرص على إطعامهم أو علاجهم؟

ولعل الأدهى أن هذه التصريحات جاءت متزامنة مع بدء تنفيذ العقوبات الأمريكية ضد الجيش السوداني، على خلفية استخدامه للأسلحة الكيميائية في هجماته على المدنيين، ما يؤكد أن “الهدنة” المعلنة ليست سوى محاولة بائسة لصرف الأنظار وكسب الوقت سياسياً.

الحقيقة على الأرض تقول إن الفاشر لم تعد مدينة مأهولة بالمدنيين، بعد أن قامت قوات تحالف “تأسيس”، بقيادة الطاهر حجر والهادي إدريس، بالتعاون مع قوات الدعم السريع، بتنفيذ واحدة من أكبر عمليات الإجلاء الإنساني التي شهدتها البلاد، حيث نُقل آلاف المدنيين إلى معسكر “طويلة” تحت سمع وبصر المجتمع الدولي. لم يبقَ في المدينة سوى المسلحين، والمليشيات، والمستَنفَرين، بينما يتصاعد القصف في كل اتجاه.

أما على صعيد العمل الإنساني، فإن قوات الدعم السريع هي الجهة الوحيدة التي بادرت، منذ بداية الحرب، إلى إنشاء “الوكالة السودانية للأعمال الإنسانية”، والتي فتحت أبوابها أمام جميع المنظمات الدولية والإقليمية دون تمييز، وسهلت الوصول إلى المحتاجين في كافة مناطق سيطرتها. في المقابل، منعت سلطات الانقلاب وصول المساعدات لمناطق الحرب، وحوّلتها إلى تجارة مربحة في أسواق الشمال والشرق، بينما تموت النساء والأطفال في صفوف التكايا من الجوع، وفي عنابر مستشفيات أم درمان من الكوليرا وأعراض الأسلحة الكيميائية.

باختصار، فإن حديث الهدنة لا يُعدو كونه امتداداً لنهج الإنكار والمراوغة الذي تتبعه السلطة الانقلابية منذ بداية الحرب. وهي سلطة فقدت أي مشروعية أخلاقية أو سياسية بعد أن استباحت المدن، وقصفت العزل، وعطّلت قوافل الإغاثة، وفتحت أبواب السودان أمام الأسلحة المحرمة والدمار الشامل. لا هدنة في الفاشر، بل كذب ممنهج على أنقاض الضحايا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!