
فرضت الولايات المتحدة عقوبات على الحكومة السودانية بسبب اتهامات باستخدام أسلحة محرمة دوليًا خلال النزاع الدامي بين الجيش وقوات الدعم السريع . ورغم أن القرار يستهدف الدولة المركزية ، إلا أن تداعياته الأخطر تنعكس مباشرة على السلطة الانتقالية المتمركزة في بور سودان ، والتي تتولى فعليًا تسيير شؤون الحكم في البلاد .
تسعى سلطة بور سودان لإظهار نفسها كبديل مدني “شرعي”، يحفظ كيان الدولة في مواجهة التفكك والانهيار . لكن العقوبات الأميركية جاءت لتقوّض هذا الادعاء ، إذ ربطت اسم الحكومة بجرائم حرب ، ما يمنح خصومها – سواء في الداخل أو المجتمع الدولي – ذريعة للطعن في مشروعيتها ومصداقيتها .
تسعى بور سودان لكسب دعم خارجي لإطالة عمر سلطتها ، لكنها تجد نفسها الآن في مواجهة عزلة متفاقمة . فالعقوبات الأميركية تمثل إشارة واضحة للدول الغربية والمنظمات الدولية بأن التعامل مع هذه السلطة قد يعرّضهم لمسؤولية قانونية أو تبعات سياسية ، مما يحدّ من فرصها للحصول على دعم سياسي أو دبلوماسي .
من الناحية العملية ، تؤدي العقوبات إلى تجميد مساعدات وتقييد التحويلات المالية والمصرفية ، مما يصعّب على سلطة بور سودان إدارة شؤون البلاد وخاصة الاقتصادية منها ، وفي مجالات الطاقة ، والصحة ، والتعليم ، التي كانت تعاني أصلاً من تدهور شديد . وهذا الشلل قد يدفعها إلى اللجوء إلى دعم غير شفاف عبر أطراف خارجية ، مما يزيد من ارتهانها لمصالح إقليمية أو جهة ثالثة وبتكاليف أكبر .
العقوبات قد تُحدث اهتزازات داخلية في تحالف السلطة ببورت سودان ، خاصة إن شعر بعض المكونات السياسية أو العسكرية بأن ارتباطهم بالحكومة بات عبئًا عليهم أمام قواعدهم أو الرأي العام الدولي . كما قد تفتح الباب لصراعات داخلية على من يتحمّل مسؤولية هذه الأزمة .
في المقابل ، تمنح هذه العقوبات زخمًا لقوى المعارضة المدنية والسياسية التي لطالما نادت بضرورة محاسبة من تورطوا في الحرب ، ورفض عسكرة الدولة . ومع تصدع شرعية بور سودان ، قد يُعاد دعم المجموعات المدنية إذا أثبتت وحدتها وجديتها في تحمل المسؤولية .
العقوبات الأميركية ليست مجرد قرار تقني أو عقوبة معزولة ، بل هي رسالة سياسية عميقة ، تُعيد رسم خريطة الشرعية داخل السودان . وبينما تحاول السلطة في بور سودان البقاء في الواجهة ، تجد نفسها الآن في موقف دفاعي معقد ، بين مطرقة الأزمة الداخلية وسندان العزلة الدولية . فإما أن تُعيد السلطة ترتيب أوراقها وتفتح الباب أمام توافق وطني جديد وجدية في وقف الحرب أو تُخاطر بالبقاء في موقع ضعيف ، مع احتمالات تفككها من الداخل أو تقويضها من الخارج عبر تدخلات دولية مباشرة .