رأي

ضغط العقوبات الأميركية وتداعياتها على سلطة بورتسودان

مها طبيق

فرضت الولايات المتحدة عقوبات على الحكومة السودانية بسبب اتهامات باستخدام أسلحة محرمة دوليًا خلال النزاع الدامي بين الجيش وقوات الدعم السريع . ورغم أن القرار يستهدف الدولة المركزية ، إلا أن تداعياته الأخطر تنعكس مباشرة على السلطة الانتقالية المتمركزة في بور سودان ، والتي تتولى فعليًا تسيير شؤون الحكم في البلاد .

تسعى سلطة بور سودان لإظهار نفسها كبديل مدني “شرعي”، يحفظ كيان الدولة في مواجهة التفكك والانهيار . لكن العقوبات الأميركية جاءت لتقوّض هذا الادعاء ، إذ ربطت اسم الحكومة بجرائم حرب ، ما يمنح خصومها – سواء في الداخل أو المجتمع الدولي – ذريعة للطعن في مشروعيتها ومصداقيتها .

تسعى بور سودان لكسب دعم خارجي لإطالة عمر سلطتها ، لكنها تجد نفسها الآن في مواجهة عزلة متفاقمة . فالعقوبات الأميركية تمثل إشارة واضحة للدول الغربية والمنظمات الدولية بأن التعامل مع هذه السلطة قد يعرّضهم لمسؤولية قانونية أو تبعات سياسية ، مما يحدّ من فرصها للحصول على دعم سياسي أو دبلوماسي .

من الناحية العملية ، تؤدي العقوبات إلى تجميد مساعدات وتقييد التحويلات المالية والمصرفية ، مما يصعّب على سلطة بور سودان إدارة شؤون البلاد وخاصة الاقتصادية منها ، وفي مجالات الطاقة ، والصحة ، والتعليم ، التي كانت تعاني أصلاً من تدهور شديد . وهذا الشلل قد يدفعها إلى اللجوء إلى دعم غير شفاف عبر أطراف خارجية ، مما يزيد من ارتهانها لمصالح إقليمية أو جهة ثالثة وبتكاليف أكبر .

العقوبات قد تُحدث اهتزازات داخلية في تحالف السلطة ببورت سودان ، خاصة إن شعر بعض المكونات السياسية أو العسكرية بأن ارتباطهم بالحكومة بات عبئًا عليهم أمام قواعدهم أو الرأي العام الدولي . كما قد تفتح الباب لصراعات داخلية على من يتحمّل مسؤولية هذه الأزمة .

في المقابل ، تمنح هذه العقوبات زخمًا لقوى المعارضة المدنية والسياسية التي لطالما نادت بضرورة محاسبة من تورطوا في الحرب ، ورفض عسكرة الدولة . ومع تصدع شرعية بور سودان ، قد يُعاد دعم المجموعات المدنية إذا أثبتت وحدتها وجديتها في تحمل المسؤولية .

العقوبات الأميركية ليست مجرد قرار تقني أو عقوبة معزولة ، بل هي رسالة سياسية عميقة ، تُعيد رسم خريطة الشرعية داخل السودان . وبينما تحاول السلطة في بور سودان البقاء في الواجهة ، تجد نفسها الآن في موقف دفاعي معقد ، بين مطرقة الأزمة الداخلية وسندان العزلة الدولية . فإما أن تُعيد السلطة ترتيب أوراقها وتفتح الباب أمام توافق وطني جديد وجدية في وقف الحرب أو تُخاطر بالبقاء في موقع ضعيف ، مع احتمالات تفككها من الداخل أو تقويضها من الخارج عبر تدخلات دولية مباشرة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!